فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سبحانه} تكذيب للنصارى وتنزيه لله تعالى عما بهتوه. {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} تبكيت لهم، فإن من إذا أراد شيئًا أوجده ب {كُن} كان منزهًا عن شبه الخلق إلى الحاجة في اتخاذ الولد بإحبال الإِناث، وقرأ ابن عامر {فَيَكُونُ} بالنصب على الجواب.
{وَإِنَّ الله رَبِّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} سبق تفسيره في سورة (آل عمران)، وقرأ الحجازيان والبصريان {وَأَنْ} بالفتح على ولأن وقيل إنه معطوف على {الصلاة}.
{فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} اليهود والنصارى. أو فرق النصارى، النسطورية قالوا إنه ابن الله، ويعقوبية قالوا هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء، وملكانية قالوا هو عبد الله ونبيه. {فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} من شهود يوم عظيم هوله وحسابه وجزاؤه، وهو يوم القيامة أو من وقت الشهود أو من مكانه فيه، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وهو أن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وآرابهم وأرجلهم بالكفر والفسق، أو من وقت الشهادة أو من مكانها. وقيل هو ما شهدوا به في عيسى وأمه.
{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} تعجب معناه أن أسمَاعهم وأبصارهم. {يَوْمَ يَأْتُونَنَا} أي يوم القيامة جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صمًا عميًا في الدنيا، أو التهديد بما سيسمعون ويبصرون يومئذ. وقيل أمر بأن يسمعهم ويبصرهم مواعيد ذلك اليوم وما يحيق بهم فيه، والجار والمجرور على الأول في موضع الرفع وعلى الثاني في موضع النصب {لكن الظالمون اليوم في ضلال مُّبِينٍ} أوقع الظالمون موقع الضمير إشعارًا بأنهم ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم، وسجل على إغفالهم بأنه ضلال بين.
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة} يوم يتحسر الناس المسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه. {إِذْ قُضِىَ الأمر} فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار، وإذ بدل من اليوم أو ظرف ل {لحسرة}. {وَهُمْ في غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} حال متعلقة بقوله: {في ضلال مُّبِينٍ} وما بينهما اعتراض، أو ب {أَنْذِرْهُمْ} أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين، فتكون حالًا متضمنة للتعليل.
{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا} لا يبقى غيرنا عليها وعليهم ملك ولا ملك، أو نتوفى الأرض ومن عليها بالإِفناء والإِهلاك توفي الوارث لإِرثه. {وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يردون للجزاء.
{واذكر في الكتاب إبراهيم إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا} ملازمًا للصدق، أو كثير التصديق لكثرة ما صدق به من غيوب الله تعالى وآياته وكتبه ورسله. {نَبِيًّا} استنبأه الله.
{إِذْ قَالَ} بدل من {إِبْرَاهِيمَ} وما بينهما اعتراض، أو متعلق ب {كَانَ} أو ب {صِدّيقًا نَّبِيًّا}. {لأَبِيهِ يا أبت} التاء معوضة من ياء الإِضافة ولذلك لا يقال يا أبتي ويقال يا أبتا، وإنما تذكر للاستعطاف ولذلك كررها. {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ} فيعرف حالك ويسمع ذكرك ويرى خضوعك. {وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئًا} في جلب نفع أو دفع ضر، دعاه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ احتجاج وأرشقه برفق وحسن أدب، حيث لم يصرح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما يستخف به العقل الصريح ويأبى الركون إليه، فضلًا عن عبادته التي هي غاية التعظيم، ولا تحق إلا لمن له الاستغناء التام والإِنعام العام وهو الخالق الرازق المحيي المميت المعاقب المثيب، ونبه على أن العاقل ينبغي أن يفعل ما يفعل لغرض صحيح، والشيء لو كان حيًا مميزًا سميعًا بصيرًا مقتدرًا على النفع والضر ولكن كان ممكنًا، لاستنكف العقل القويم من عبادته وإن كان أشرف الخلق كالملائكة والنبيين لما يراه مثله في الحاجة والانقياد للقدرة الواجبة، فكيف إذا كان جمادًا لا يسمع ولا يبصر، ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه إلى الحق القويم والصراط المستقيم لما لم يكن محظوظًا من العلم الإِلهي مستقلًا بالنظر السوي فقال: {يا أبت إِنّى قَدْ جَاءَنِى مِنَ العلم مَا لَمْ يَأْتِكَ فاتبعنى أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} ولم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق، بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق، ثم ثبطه عما كان عليه بأنه مع خلوه عن النفع مستلزم للضر، فإنه في الحقيقة عبادة الشيطان من حيث إنه الآمر به فقال: {يا أبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان} ولما استهجن ذلك بين وجه الضر فيه بأن الشيطان مستعص على ربك المولي للنعم كلها بقوله: {إِنَّ الشيطان كَانَ للرحمن عَصِيًّا} ومعلوم أن المطاوع للعاصي عاص وكل عاص حقيق بأن تسترد منه النعم وينتقم منه، ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجر إليه فقال: {يا أبت إِنِّى أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرحمن فَتَكُونَ للشيطان وَلِيًّا} قرينًا في اللعن والعذاب تليه ويليك، أو ثابتًا في موالاته فإنه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب. وذكر الخوف والمس وتنكير العذاب إما للمجاملة أو لخفاء العاقبة، ولعل اقتصاره على عصيان الشيطان من بين جناياته لإِرتقاء همته في الربانية، أو لأنه ملاكها أو لأنه من حيث إنه نتيجة معاداته لآدم وذريته منبه عليها.
{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِى ياإبراهيم} قابل استعطافه ولطفه في الارشاد بالفظاظة وغلظة العناد فناداه باسمه ولم يقابل {يَا أبَتِ}: بيا بني، وأخره وقدم الخبر على المبتدأ وصدره بالهمزة لإِنكار نفس الرغبة على ضرب من التعجب، كأنها مما لا يرغب عنه عاقل ثم هدده فقال: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} عن مقالك فيها أو الرغبة عنها. {لأَرْجُمَنَّكَ} بلساني يعني الشتم والذم أو بالحجارة حتى تموت، أو تبعد مني. {واهجرنى} عطف على ما دل عليه {لأَرْجُمَنَّكَ} أي فاحذرني واهجرني. {مَلِيًّا} زمانًا طويلًا من الملاوة أو مليًا بالذهاب عني.
{قَالَ سلام عَلَيْكَ} توديع ومتاركة ومقابلة للسيئة بالحسنة، أي لا أصيبك بمكروه ولا أقول لك بعد ما يؤذيك ولكن: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِِّي} لعله يوفقك للتوبة والإِيمان، فإن حقيقة الاستغفار للكافر إستدعاء التوفيق لما يوجب مغفرته وقد مر تقريره في سورة التوبة {إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا} بليغًا في البر والإِلطاف.
{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} بالمهاجرة بديني. {وَأَدْعُو رَبِّى} وأعبده وحده. {عسى أَن لا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّى شَقِيّا} خائبًا ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتم، وفي تصدير الكلام ب {عَسَى} التواضع وهضم النفس، والتنبيه على أن الإِجابة والإِثابة تفضل غير واجبتين، وأن ملاك الأمر خاتمته وهو غيب.
{فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} بالهجرة إلى الشام. {وَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} بدل من فارقهم من الكفرة، قيل إنه لما قصد الشام أتى أولًا حران وتزوج بسارة وولدت له إسحق وولد منه يعقوب، ولعل تخصيصهما بالذكر لأنهما شجرتا الأنبياء أو لأنه أراد أن يذكر إسماعيل بفضله على الانفراد. {وَكُلًا جَعَلْنَا نَبِيًّا} وكلا منهما أو منهم.
{وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّنْ رَّحْمَتِنَا} النبوة والأموال والأولاد. {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم، استجابة لدعوته {واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ في الآخرين} والمراد باللسان ما يوجد به، ولسان العرب لغتهم وإضافته إلى الصدق وتوصيفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم، وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار وتحول الدول وتبدل الملل.
{واذكر في الكتاب موسى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا} موحدًا أخلص عبادته عن الشرك والرياء، أو أسلم وجهه لله وأخلص نفسه عما سواه، وقرأ الكوفيون بالفتح على أن الله أخلصه. {وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} أرسله الله إلى الخلق فأنبأهم عنه ولذلك قدم {رَسُولًا} مع أنه أخلص وأعلى.
{وناديناه مِن جَانِبِ الطور الأيمن} من ناحيته اليمنى من اليمين، وهي التي تلي يمين موسى من جانبه الميمون من اليمن بأن تمثل له الكلام من تلك الجهة. {وَقَرَّبْنَاهُ} تقريب تشريف شبهه بمن قربه الملك لمناجاته. {نَجِيًّا} مناجيًا حال من أحد الضميرين. وقيل مرتفعًا من النجوة وهو الارتفاع. لما روي أنه رفع فوق السموات حتى سمع صرير القلم.
{وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا} من أجل رحمتنا أو بعض رحمتنا. {أَخَاهُ} معاضدة أخيه وموازرته إجابة لدعوته {واجعل لّى وَزِيرًا مّنْ أَهْلِى} فإنه كان أسن من موسى، وهو مفعول أو بدل على تقدير أن تكون {مِنْ} للتبعيض. {هارون} عطف بيان له. {نَبِيًّا} حال منه.
{واذكر في الكتاب إسماعيل إِنَّهُ كَانَ صادق الوعد} ذكره بذلك لأنه المشهور به والموصوف بأشياء في هذا الباب لم تعهد من غيره، وناهيك أنه وعد الصبر على الذبح فقال: {سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين} فوفى. {وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} يدل على أن الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة، فإن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته.
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بالصلاة والزكواة} اشتغالًا بالأهم وهو أن يقبل الرجل على نفسه ومن هو أقرب الناس إليه بالتكميل، قال اللّه تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة} {قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وقيل أهله أمته فإن الأنبياء آباء الأمم. {وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} لاستقامة أقواله وأفعاله.
{واذكر في الكتاب إِدْرِيسَ} وهو سبط شيث وجد أبي نوح عليهم الصلاة والسلام، واسمه أخنوخ واشتقاق إدريس من الدرس يرده منع صرفه، نعم لا يبعد أن يكون معناه في تلك اللغة قريبًا من ذلك فلقب به لكثرة درسه، إذ روي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفة، وأنه أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب. {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}.
{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} يعني شرف النبوة والزلفى عند الله. وقيل الجنة. وقيل السماء السادسة أو الرابعة.
{أولئك} إشارة إلى المذكورين في السورة من زكريا إلى إدريس عليهم الصلاة والسلام. {الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم} بأنواع النعم الدينية والدنيوية {مِنَ النبيين} بيان للموصول. {مِن ذُرّيَّةِ ءَادَمَ} بدل منه بإعادة الجار، ويجوز أن تكون {مِنْ} فيه للتبعيض لأن المنعم عليهم أعم من الأنبياء وأخص من الذرية. {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} أي ومن ذرية من حملنا خصوصًا، وهم من عدا إدريس فإن إبراهيم كان من ذرية سام بن نوح. {وَمِن ذُرّيَّةِ إبراهيم} الباقون. {وإسراءيل} عطف على {إِبْرَاهِيمَ} أي ومن ذرية إسرائيل، وكان منهم موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى، وفيه دليل على أن أولاد البنات من الذرية. {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا} ومن جملة من هديناهم إلى الحق. {واجتبينا} للنبوة والكرامة. {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّواْ سُجَّدًا وَبُكِيًّا} خبر ل {أولئك} إن جعلت الموصول صفته، واستئناف إن جعلته خبره لبيان خشيتهم من الله وإخباتهم له مع ما لهم من علو الطبقة في شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله تعالى. وعن النبي الصلاة والسلام «اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكو فتباكوا» والبكي جمع باك كالسجود في جمع ساجد. وقرئ {يتلى} بالياء لأن التأنيث غير حقيقي، وقرأ حمزة والكسائي {بِكيًا} بكسر الباء. اهـ.

.قال الخازن:

{ذلك عيسى ابن مريم}.
أي ذلك الذي قال إني عبد الله هو عيسى بن مريم {قول الحق} أي هذا الكلام هو القول الحق أضاف القول إلى الحق، وقيل هو نعت لعيسى يعني بذلك عيسى بن مريم كلمة الله الحق والحق هو الله {الذي فيه يمترون} أي يشكون ويختلفون فقائل يقول هو ابن الله وقائل يقول ثالث ثلاثة تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا ثم نزه نفسه عن اتخاذ الولد ونفاه عنه فقال تعالى: {ما كان لله أن يتخذ ولد} أي ما كان من صفاته اتخاذ الولد لا ينبغي له ذلك {سبحانه إذا قضى أمرًا} أي إذا أراد أن يحدث أمرًا {فإنما يقول له كن فيكون} أي لا يتعذر عليه اتخاذه على الوجه الذي أراده {وإن الله ربي وربكم فاعبدوه} هذا إخبار عن عيسى أنه قال ذلك يعني لأن الله ربي وربكم لا رب للمخلوقات سواه {هذا صراط مستقيم} أي هذا الذي أخبرتكم به أن الله أمرني به هو الصراط المستقيم الذي يؤدي إلى الجنة {فاختلف الأحزاب من بينهم} يعني النصارى سموا أحزابًا لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر عيسى النسطورية والملكانية واليعقوبية {فويل للذين كفروا من مشهد يوم عيظم} يعني يوم القيامة حين {أسمع بهم وأبصر} أي ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة حين لا ينفعهم السمع والبصر أخبر أنهم يسمعون ويبصرون في الآخرة ما لم يسمعوا ويبصروا في الدنيا، وقيل معناه التهديد بما يسمعون ويبصرون مما يسوءهم ويصدع ويصدع قلوبهم {يوم يأتوننا} أي يوم القيامة {لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} قيل أراد باليوم الدنيا، يعني أنهم في الدنيا في خطأ بين وفي الآخرة يعرفون الحق، وقيل: معناه لكن الظالمون في الآخرة في ضلال عن طريق الجنة بخلاف المؤمنين.
قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة} يعني خوف يا محمد كفار مكة يوم الحسرة، سمي بذلك لأن المسيء يتحسر هلا أحسن العمل والمحسن هلا زاد في الإحسان، يدل عليه ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من أحد يموت إلا ندم قالوا ما ندمه يا رسول الله قال: إن كان محسنًا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئًا ندم أن لا يكون نزع» أخرجه الترمذي. قوله «أن لا يكون نزع» النزع عن الشيء: الكف عنه، وقال أكثر المفسرين يعني بيوم الحسرة حين يذبح الموت.
(ق) عن أبي سعيد الخدري قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرفون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه، ثم ينادي مناد آخر يا أهل النار فيشرفون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقول يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت ثم قرأ. {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون} وأشار بيده إلى الدنيا» وزاد الترمذي فيه «فلو أن أحدًا مات فرحًا لمات أهل الجنة ولو أن أحدًا مات حزنًا لمات أهل النار» قوله «كهيئة كبش أملح» والأملح: المختلط بالبياض والسواد، قوله «فيشرفون» يقال إلى الشيء إذا تطلع ينظر إليه ومالت نحوه نفسه. قوله «فيذبح بين الجنة والنار» اعلم أن الموت عرض ليس بجسم في صورة كبش أو غيره فعلى هذا يتأول الحديث، على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم وهو حيوان فيذبح فيموت فلا يبقى يرجى له حياة ولا وجود، وكذلك حال أهل الجنة والنار بعد الاستقرار فيهما لا زوال لهما ولا انتقال.
(ق) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار فيذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم».
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة أحد إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرًا ولا يدخل النار أحد إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة» أخرجه البخاري.
وقوله تعالى: {إذا قضي الأمر} أي فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وذبح الموت {وهم في غفلة} أي عما يراد بهم في الآخرة {وهم لا يؤمنون} أي لا يصدقون {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها} أي نميت سكان الأرض جميعًا ويبقى الله سبحانه وتعالى وحده فيرثهم {وإلينا يرجعون} فنجزيهم بأعمالهم.
قوله ويبقى {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقًا نبيًا} أي كثير الصدق وهو مبالغة في كونه صديقًا، وقيل الصدِّيق الكثير التصديق قيل من صدق الله في وحدانيته وصدق أنبياءه ورسله وصدق بالبعث بعد الموت وقام بالأوامر فعمل بها فهو صديق، ولما قربت رتبة الصديق من رتبة النبي انتقل من ذكر كونه صديقًا إلى ذكر كونه نبيًا، والنبي العالي في الرتبة بإرسال الله إياه وإي رتبة أعلى من رتبة من جعله الله تعالى واسطة بينه وبين عباده {إذ قال لأبيه} يعني آزر وهو يعبد الأصنام {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع} يعني صوتًا {ولا يبصر} لا ينظر شيئًا {ولا يغني عنك} أي يكفيك {شيئًا} وصف الأصنام بثلاثة أشياء كل واحد منها قادح في الإلهية، وذلك أن العبادة هي غاية التعظيم للمعبود فلا يستحقها إلا من له ولاية الإنعام وله أوصاف الكمال وهو الله تعالى فلا يستحق العبادة إلا هو {يا أبت إني قد جاءني من العلم} يعني بالله والمعرفة {ما لم يأتك فاتبعني} أي على ديني {أهدك صراطًا سويًا} أي مستقيمًا {يا أبت لا تعبد الشيطان} أي لا تطعه فيما يزين لك من الكفر والشرك.